الاثنين، 4 أغسطس 2008

الإصلاح الاقتصادي في العراق

من المعروف ان الخدمات الأساسية في العراق قبل عام 2003 كانت تقدم من قبل الدولة للمواطنين بصورة شبه مجانية، وذلك نتيجة لأسباب متعددة. أولها طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد، فالعراق كانت خصائص نظامه الاقتصادي اقرب إلى الاشتراكية منه إلى اقتصاد السوق كالحجم الكبير للقطاع العام وزيادة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والدور الهامشي للقطاع الخاص وغيرها. وثاني هذه الأسباب هي ان مستوى الدخل الفردي للمواطن العراقي متدني جدا بالقياس إلى الدخول الفردية في الدول المجاورة للعراق ولاسيما الخليجية منها وذلك بعد احتلال الكويت وما ترتب على ذلك من دمار للاقتصاد العراقي وفرض عقوبات اقتصادية من قبل المجتمع الدولي. وثالث هذه الأسباب هي العزلة التي فرضت على العراق خلال سنوات الحصار التي سبقت احتلاله من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إذ ان في تلك المدة انطوى الاقتصاد العراقي على نفسه وأصبح في معزل شبه تام عن العالم الخارجي.
وبعد عام 2003 أصبح العراق بلدا مفتوحا مع المجتمع الدولي واقتصاده بات جزء من الاقتصاد العالمي لذا فانه لابد من اجراء الإصلاحات الاقتصادية والتي يترتب عليها رفع أسعار الخدمات وتقليل الدعم الحكومي وتخفيض حجم القطاع العام عبر حزمة من السياسات الاقتصادية كالاعتماد على السياسات الاقتصادية المختلفة كأدوات السياستين المالية والنقدية وسياسة سعر الصرف والسياسة الدخلية وغيرها. بالإضافة إلى ذلك فان ارتباط العراق مع المؤسسات والمنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية ونادي باريس باتفاقيات متعددة كلها أمور تحتم على الدولة رفع أسعار الخدمات المختلفة وجعلها قريبة من قيمتها الحقيقية أو موازية لأسعار دول الجوار.
ان رفع أسعار الخدمات التي تشكل جزء مهم من حياة عموم المواطنين يجب ان لا يكون عشوائيا وإنما يجب ان يكون بصورة علمية ومدروسة تؤخذ بنظر الاعتبار جملة من الأمور، منها ان رفع الأسعار يجب ان يكون بصورة تدريجية وليس بصورة مفاجئة او كما يعبر عنه بلغة الاقتصاديين العلاج بالصدمة Shake لان الرفع المفاجئ للأسعار من شانه ان يؤدي إلى آثار جانبية سلبية تتعلق بحياة المواطنين ولاسيما إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار بأنهم اعتادوا على الأسعار المدعومة ولعقود طويلة. وكذلك فان زيادة الأسعار يجب ان تكون متناسبة مع مستويات دخول المواطنين، فما هي الفائدة التي تجنيها الدولة إذا ما كانت أسعار الخدمات تبتعد عن القدرة الحقيقية لمعظم فئات الشعب العراقي لاسيما وان نسبة مهمة (قدرت حاليا بحدود 40%) من الشعب العراقي تقع تحت خط الفقر العالمي. وكذلك من الأمور التي يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار هي مدى المحرومية التي عاشتها شريحة واسعة من الشعب العراقي ولاسيما خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي إذ ان في تلك المدة انخفضت القيمة الحقيقية لمستويات الدخول نتيجة تدني قيمة الدينار العراقي في السوق الموازية (أسعار السوق الحقيقية) إذ ان الدولار قد وصل في عام 1995 إلى ما يقارب من 6000 دينار بعد ان كان الدينار الواحد يعادل ثلاث دولارات. والأمر الآخر في هذا المجال هو ان دخل المواطن العراقي يختلف عن دول الجوار فيجب ان لا تقاس أسعار الخدمات في بعض دول الجوار كدول الخليج مع العراق. والاعتبار المهم الذي يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار في هذا المجال هو ان العراق يمر الآن بمرحلة انتقالية وهذه المرحلة تتطلب تكثيف الجهود لانتقال الاقتصاد العراقي من اقتصاد شمولي إلى اقتصاد السوق وهذا الانتقال يجب ان لا يكون على حساب المواطن إذا أخذنا بنظر الاعتبار بان التحسن الكبير الذي طرا على الدخول في عاميي 2003 و 2004 قد فقد بريقه منذ عام 2005 نتيجة الاتفاع الكبير في معدلات التضخم فعلا سبيل المثال لا الحصر ووفقا للبيانات الرسمية للدولة وصل معدل الرقم القياسي لأسعار المستهلك لعشرة أشهر في عام 2005 إلى ما يقارب من 70%.
وعليه فان على الوزارات الخدمية أن تعيد النظر بأسعار الخدمات التي تقدمها للمواطنين كالماء والاتصالات وغيرها لاسيما وان الكثير من الوزارات لم تعلن عن أسعارها المرتفعة للمواطنين إلا بعد ظهور القوائم الحسابية كما هو الحال مع قوائم الهاتف الأرضي التي أثارت استغراب الكثير من المواطنين كون الأرقام التي في القوائم بعيدة كل البعد عن قوتهم الشرائية وخصوصا أصحاب الدخل المحدود.

ليست هناك تعليقات: