عادة مايقصد بالاحتياطيات النقدية ما تمتلكه
البنوك المركزية والسلطات النقدية من احتياطيات نقدية أجنبية Foreign exchange reserves متمثلة بالودائع والسندات من
العملة الأجنبية كالدولار الأمريكي واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني
وغيرها وتسمى كذلك باحتياطي الفوركس وكانت في العقود الماضية تسمى بالعملة الصعبة
كونها تقابل وزن ذهبي معين تكون البنوك المركزية ملزمة باستبدالها بما يعادلها من
ذهب في أي وقت وبأي كمية الا ان هذه التسمية انتهت بهجرة قاعدة الذهب كأساس دولي
لتحديد سعر الصرف للعملات المختلفة عندما أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون في
آب عام 1971 وقف تحويل الدولار إلى ذهب، ويمكن إضافة لها المخزون الذهبي فضلا عن
العملة المحلية إذ يحتل الذهب نسبة مهمة من الاحتياطيات الأجنبية في كثير من
البلدان الأجنبية والعربية على سبيل المثال تحتفظ الولايات المتحدة باحتياطي وصل
في العام الماضي الى مايقارب من 8.133 ألف طن وهو يشكل 26.6 في المائة من
الاحتياطي العالمي للذهب والمقدر بأكثر من 31.3 ألف طن وبذلك تأتي في مقدمة دول
العالم تليها ألمانيا باحتياطي مقداره 3.407 ألف طن ويشكل 11.2 في المائة من
الاحتياطي العالمي ثم مؤسسة النقد الدولي باحتياطي مقداره 2827.2 طن وهو مايشكل
9.3 في المائة من الاحتياطي العالمي ثم ايطاليا رابعا بامتلاكها احتياطي يبلغ 2451
مشكلا 8 في المائة من الاحتياطي العالمي ثم فرنسا خامسا بكميات من الذهب مقدارها
2535 طن، وعربيا تحتفظ لبنان منذ عام 1994 بكميات شبه ثابتة من الذهب تقدر 9.22
مليون أوقية وهو يعد الأعلى على مستوى الدول العربية تليها الجزائر بكمية مقدارها
5.58 مليون أوقية ومن ثم تأتي كل من ليبيا والمملكة العربية السعودية بكميات
متقاربة تقدر بحدود 4.6 مليون أوقية، وهذه الاحتياطيات تعد الوسيلة الأساسية
للمدفوعات الدولية ومن خلالها يمكن المحافظة على استقرار سعر صرف العملة المحلية إذ
كلما كانت كمية الاحتياطيات النقدية كبيرة كلما كانت قدرة البنك المركزي على المحافظة
على استقرار قيمة العملة اكبر والمناورة ضمن سقف محدد يحدد على ضوء وضع البلد
الاقتصادي والأهداف المتوخاة تحقيقها من السياسية النقدية ولاسيما هدف المحافظة
على نمو مناسب لعرض النقد ومستوى مقبول من التضخم، كما ان هذه الاحتياطيات النقدية
تعد بمثابة جدار حماية لاقتصاد البلد أثناء الأزمات المختلفة التي قد يتعرض لها
سواء كانت أزمات اقتصادية داخلية أو خارجية.
ان توفر احتياطيات نقدية كبيرة لدى البنك
المركزي في أي دولة تبرز لديه مسألة مهمة تتعلق بالية إدارة هذه الاحتياطيات
الكبيرة ومن ثم المحافظة عليها من المخاطر التي قد تتعرض لها كارتفاع معدلات
التضخم على مستوى العالم وتعرض الاقتصاد العالمي او عدد من الدول المتقدمة إلى أزمات
خانقة قد تؤدي إلى انخفاض قيمتها بصورة كبيرة كما حدث في الأزمة المالية في عام
2008 او ماعرفت في حينها بأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية ومن
ثم انتقلت إلى معظم بلدان العالم بما فيها البلدان النامية إذ أي تطور للازمة قد تؤدي
إلى تخفيض القيمة الحقيقية للعملة الأجنبية التي يحتفظ بها البنك المركزي.
يمتلك البنك المركزي العراقي في الوقت
الحالي احتياطيات نقدية كبيرة تقدر بحدود 67 مليار دولار متأتية بصورة أساسية من
الفوائض النقدية التي ازدادت بشكل كبير نتيجة تحسن أسعار النفط والزيادة التدريجية
في الكميات المصدرة عن طريق البصرة وعن طريق ميناء جيهان في تركيا، وهذا الرقم يعد
الأعلى في تاريخ العراق نتيجة شبه الاستقرار في عمل السياسة النقدية من خلال جهود
البنك المركزي في المحافظة على استقرار سعر صرف الدينار العراقي ومحاولته الوصول
إلى معدلات مقبولة من التضخم من خلال التحكم بعرض النقد وجعله ينمو بمعدلات مقبولة
نسبيا تتناسب مع الحاجة الحقيقية للاقتصاد العراقي على الرغم من التعارض مابين عمله
وعمل السلطات المالية المتمثلة بوزارة المالية إذ ان بنود الإنفاق الجاري أخذت
بالنمو المستمر من سنة لأخرى نتيجة ارتفاع الأجور والرواتب لمنتسبي القطاع العام
والأجهزة الأمنية المختلفة اذ قدرت رواتب الموظفين البالغ عددهم اكثر من 3.5 مليون
بحدود 42 ترليون دينار في موازنة العام القادم (2013) أي بحدود 50 في المائة من
الموازنة التشغيلية، وكذلك ارتفاع المتطلبات المتعلقة بالجانب الأمني واستمرار
التزام الحكومة بالمدفوعات التحويلية ولاسيما فيما يتعلق بدعم مفردات البطاقة التموينية وشبكات الحماية الاجتماعية وغيرها.
ان استمرار تراكم الاحتياطيات الأجنبية وهو ما
متوقع حصوله في السنوات القادمة نتيجة الزيادة المتوقعة للكميات المصدرة من النفط
الخام والغاز بعد جولات التراخيص الأربعة التي وقعتها وزارة النفط العراقية مع
مختلف الشركات الأجنبية يتحتم على الحكومة إيجاد أسلوب مناسب لإدارة هذه
الاحتياطيات من خلال الاستفادة من تجارب البلدان الأخرى التي قطعت أشواط طويلة في
هذا المجال كتجربة الصناديق السيادية في العديد من البلدان العربية وغير العربية منها
تجربة الكويت في صندوق الأجيال القادمة وتجربة الإمارات في جهاز أبو ظبي للاستثمار
وكذلك التجربة النرويجية من خلال صندوق البترول وأيضا هنالك تجربة سنغافورة عبر
شركة حكومة سنغافورة للاستثمار الخاصة المحدودة وكذلك التجربة الصينية في استثمار
الفوائض المالية، إذ ان اختيار الأسلوب الأمثل لإدارة هذه الفوائض أمر غاية في
الصعوبة يحتاج إلى دراسة تجارب البلدان الأخرى وتقييمها بصورة موضوعية لغرض اختيار
الأسلوب المناسب وظروف البلد من خلال إدارة كفوءة ومستقلة تعمل بمهنية وحيادية
بعيداً عن المصالح الفئوية والحزبية الضيقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق