الثلاثاء، 20 يوليو 2021

استراتيجيات التصنيع


 

                             استراتيجيات التصنيع

        

 يقصد باستراتيجيات التصنيع او كما تسمى بسياسات التصنيع الأسلوب المستخدم في عملية التصنيع، وهي على نوعين رئيسين هما إستراتيجية التصنيع من اجل إحلال الواردات وإستراتيجية التصنيع من اجل التصدير. وفيما يلي توضيح لكل منهما:-

  

                                    اولا

             إستراتيجية التصنيع من اجل إحلال الواردات

         

 يقصد بهذه الإستراتيجية  Import Substitution Industrializationإنتاج محليا ماكان يستورد سابقاً، او إنتاج محلياً ماكان يمكن ان نقوم باستيراده لو لم نقم بإنتاجه. وقد أثبتت التجربة التاريخية للدول النامية التي اتبعت هذه الإستراتيجية ان الأولوية تعطى للصناعات الخفيفة (صناعات استهلاكية) وذلك بسبب الفرق بين تكاليف إنتاج هذه السلع محلياً وتكاليف استيرادها اقل بكثير من الفرق في حالة السلع الصناعية الوسيطة والسلع الصناعية الإنتاجية، وبعبارة أخرى ان الصناعات الاستهلاكية تعد اقل تكلفة للاقتصاد الوطني، وكذلك وجود ميزة الطلب المحلي على هذه السلع.

         ان الدول التي تتبع هذه الإستراتيجية تقوم بتقييد الواردات من السلع الاستهلاكية من خلال إجراءات الحماية المختلفة مما يعني خلق فرص مربحة للاستثمار نتيجة ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية مما أدى إلى تغير معدل التبادل المحلي بينها وبين السلع الأخرى والتي لم تتمتع بميزة الحماية كالسلع الزراعية والسلع الصناعية غير الاستهلاكية وهذا بدوره أدى إلى انتقال الموارد الاستثمارية من قطاع السلع غير المتمتعة بإجراءات الحماية إلى قطاع السلع المتمتعة بالحماية.

         تعد إستراتيجية التصنيع من اجل إحلال الواردات أولى الاستراتيجيات التي اتبعتها الكثير من الدول النامية في بداية عملية التصنيع بعد ان توفرت لهذه الدول مجموعة من الشروط المحلية والدولية ساعدت على تهيئة المناخ الملائم لإتباعها حيث انها انطلقت من السوق المحلية القائمة أي انها تأخذ نمط الاستهلاك القائم.

          ان مراحل إستراتيجية التصنيع من اجل إحلال الواردات هي ثلاث مراحل:- المرحلة الأولى تتمثل بنمط إحلال الواردات للصناعات الاستهلاكية حيث في هذه المرحلة تزداد واردات السلع الوسيطة والإنتاجية (الرأسمالية) نتيجة عدم توفر البدائل المحلية، والمرحلة الثانية تتمثل بنمط إحلال الواردات للصناعات الوسيطة، والمرحلة الثالثة تتمثل بنمط إحلال الواردات للصناعات الإنتاجية. وفي كل مرحلة من هذه المراحل تهدف إستراتيجية التصنيع من اجل إحلال الواردات إلى خلق السوق المحلية للصناعة التي تحل محل الواردات مستفيدة من ظروف وإجراءات الحماية والقيود التي تفرضها الدولة على استيراد السلع الأجنبية المنافسة، كون الصناعة المحلية الجديدة لاتتمكن من دون هذه الإجراءات الحمائية من منافسة السلع الأجنبية سواء من حيث السعر أو من حيث الجودة. 

       ان الدول التي اتبعت هذه الإستراتيجية انطلقت من مبدأ تحقيق الاكتفاء الذاتي إذ شرعت في إقامة عدد كبير من المشروعات الصناعية لإنتاج السلع الاستهلاكية المعدة للسوق المحلية التي لاتحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة ولاتحتاج إلى عمالة ذات خبرة فنية متقدمة إذ انها غالباً ماتعتمد على الفنون الإنتاجية البسيطة المتمثلة بالفن الإنتاجي كثيف العمل.

        ان أنصار هذه الإستراتيجية يرون بأنها أدت الى زيادة معدلات الاستثمار والادخار على المستوى القومي، وكذلك تؤدي إلى إقامة قاعدة صناعية متنوعة الأنشطة تسمح في مرحلة لاحقة بتكوين الكوادر والمهارات الفنية والوسيطة اللازمة لتشغيل وصيانة المشروعات الصناعية، كما ان هذه الإستراتيجية تسمح في مرحلة لاحقة على زيادة قدرة الدولة على تنويع السلع التصديرية، هذا بالإضافة إلى ان إنشاء صناعات إحلال الواردات سوف يساعد على خلق الظروف الملائمة لإقامتها. 

  

                *أزمة إستراتيجية التصنيع من اجل إحلال الواردات            

        ان هذه الإستراتيجية قد حملت معها بذور أزمتها ونتائجها السلبية والتي تمثلت في عدم قدرة هذه الإستراتيجية من إحداث تغيرات هيكلية في القطاع الصناعي إذ انها لم تساعد الدول التي اتبعتها على التخلص من التبعية الاقتصادية المتمثلة بالتبعية بالنسبة للنمط الاستهلاكي القائم والتبعية بالنسبة للصادرات حيث لم يتغير هيكل التجارة الخارجية اذ بقيت المواد الأولية تشكل نسبة عالية من الصادرات.

        كما يتضح من الهيكل الصناعي المصاحب لإستراتيجية التصنيع من اجل إحلال الواردات التوسع الأفقي في الصناعات الاستهلاكية على حساب الصناعات الوسيطة والإنتاجية والتي لم تتمتع بإجراءات الحماية الجمركية، كما ان قيامها كان محدوداً بسبب ضيق الأسواق المحلية. 

      ان إستراتيجية التصنيع من اجل إحلال الواردات إضافة الى عدم تمكنها من خلق الهياكل الصناعية اللازمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لم تتمكن من حل مشكلة البطالة التي تعاني منها معظم البلدان النامية.

       أما في المجال الزراعي فأن الإستراتيجية لم تساهم في توفير المستلزمات التي يحتاجها القطاع الزراعي بغية المساهمة في تعزيز الأمن الغذائي لتلك البلدان، وكذلك ترتب على هذه الإستراتيجية عجز القطاع الزراعي عن توفير مستلزمات القطاع الصناعي. أما في مجال تقسيم العمل الدولي فأن إستراتيجية التصنيع من اجل إحلال الواردات لم تغير نمط تقسيم العمل الدولي إذ استمرت الدول التي اتبعتها في الاعتماد على الخارج في التزود بالمواد الغذائية وتعرض تلك الدول إلى الضغوط السياسية الخارجية من خلال تهديدها باستخدام الغذاء كورقة ضغط أساسية في التأثير على المواقف السياسية لها كما حدث في عام 1973 أثناء الحرب العربية-الإسرائيلية.

  

                                        ثانيا

                       إستراتيجية التصنيع للتصدير

         

 ان الهدف الأساس من إتباع هذه الإستراتيجية هو بناء الصناعات من اجل التصدير بغية زيادة الصادرات الصناعية للتغلب على مشاكل العجز في موازين المدفوعات وتلافي الاعتماد على تصدير المواد الأولية او تلافي الاعتماد على مصدر واحد للدخل. ان الدولة التي اتبعت هذه الإستراتيجية قامت بإنشاء العديد من الصناعات المنتجة للسلع المعدة للسوق الخارجية، أما فيما يتعلق بتخصيص جزء من الإنتاج لأغراض السوق الداخلية فهو يعد هدف ثانوي.

        ان الدول إلي اتبعت هذه الإستراتيجية أصدرت العديد من القوانين الرامية الى تشجيع الاستثمار الأجنبي وإنشاء مشاريع مشتركة مع الشركات دولية النشاط كتقديم الضمانات بعدم تأميم تلك الاستثمارات وتقديم إعفاءات ضريبية خاصة وتوفير مصادر الطاقة الرخيصة وحريتها في تحويل أرباحها الى الخارج وغيرها.

        لقد ترتب على الأخذ بهذه الإستراتيجية بعض المزايا المتعلقة بزيادة معدلات النمو وزيادة مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي وفي الصادرات، كما تمكنت بعض الدول التي هذه الإستراتيجية من اكتساب بعض المهارات الفنية والتكنولوجية وذلك لان هذه الإستراتيجية تكون السلع المصدرة كثيفة رأس المال وذات جودة ونوعية عالية.

        ان هذه الإستراتيجية تستند على مبدأ استخدام الموارد الاقتصادية المتاحة والأيدي العاملة المتوفرة في الإنتاج التصديري بقصد تنويع الصادرات الصناعية وتوفير قدر من العملات الأجنبية، ويرى أنصار هذه الإستراتيجية ان النقد الأجنبي الذي يمكن الحصول عليه جراء إتباع هذه الإستراتيجية يمكن ان يغني بالتدرج عن المساعدات الأجنبية والقروض من المؤسسات الدولية.

         ان هذه الإستراتيجية تتطلب صناعة ضخمة بحاجة إلى رؤوس أموال كبيرة لاتستطيع الدول توفيرها بسبب قصور فجوة الموارد المحلية المتاحة مما أدى ذلك إلى تشجيع القطاع الخاص وتشجيع المشاركة مع رؤوس الأموال الأجنبية للقيام ببعض المشروعات الصناعية المكملة للصناعات التصديرية وكذلك الاعتماد على القروض الخارجية من مصادر رسمية وغير رسمية.

  

·        النتائج المترتبة على إتباع إستراتيجية التصنيع من اجل التصدير

  ان النتائج المترتبة على تطبيق إستراتيجية التصنيع من اجل التصدير انطلاقاً من تجربة العديد من البلدان النامية التي أخذت بها، تتمثل في جملة من الأمور يمكن توضيحها من خلال النقاط الآتية:

1-الاعتماد الكامل على استيراد التكنولوجيا من الدول المتقدمة:

      ان هذه الإستراتيجية تهدف الى تصدير المنتجات الصناعية الى الأسواق الخارجية لذا لابد ان تكون ذات قدرة تنافسية عالية في تلك الأسواق من حيث السعر والجودة من خلال الاعتماد على تكنولوجيا حديثة ومعقدة.

      ان الاعتماد الكامل على استيراد التكنولوجيا لم يصاحبه عملية نقل وتطويع التكنولوجيا الصناعية في الصناعات التصديرية، كما ترتب على ذلك تطوير قطاع الصناعة تكنولوجياً بينما بقيت القطاعات الأخرى متخلفة من الناحية التكنولوجية.

 2-ازدواجية الاقتصاد الوطني:

        لقد ترتب على هذه الإستراتيجية تقسيم الاقتصاد الوطني الى قطاعين الأول قطاع حديث ومتطور تكنولوجياً متمثل بقطاع الصناعة التصديرية ومايرتبط بها من قطاعات تسويقية وتوزيعية ومصرفية وتجارية متمركزة في عدد محدود من التجمعات الحضرية. والثاني قطاع متخلف يشمل القطاع الزراعي بالدرجة الأولى وبقية فروع وأنشطة الاقتصاد الوطني.

     لقد ترتب على هذه الازدواجية تدهور وإهمال الكثير من الصناعات الصغيرة والحرفية، وكذلك محدودية القوى العاملة المستخدمة في القطاع الحديث بسبب استخدام الفنون التكنولوجية كثيفة رأس المال اذ ان هذا القطاع لايسهم سوى 20 في المائة من إجمالي السكان، كما ان هذا القطاع يتصف بضعف صلاته وعلاقاته وروابطه الإنتاجية والاجتماعية بالقطاع التقليدي بالوقت الذي تزداد فيه هذه الروابط والعلاقات مع الخارج، وقد ظهر ذلك واضحاً في أنماط الاستهلاك السائدة في القطاع الحديث المقلدة للنمط الغربي وفي أسلوب المعيشة والقيم والعادات الاجتماعية السائدة.

 3-التبعية للعالم الخارجي من خلال التعامل مع الشركات دولية النشاط:

      ان هذه الإستراتيجية قد تركت الباب مفتوحا للتعامل مع الشركات المتعدية الجنسية التي بدورها عملت إلى دمج الصناعات التصديرية في حلقة تكنولوجية توجد معظم أجزائها خارج البلد، إضافة إلى التبعية الإدارية والتسويقية والمالية. وكذلك فأن هذه الإستراتيجية تستلزم الاعتماد المتزايد على التمويل الخارجي مما يترتب عليه زيادة أعباء ميزان المدفوعات وتزايد أعباء المديونية الخارجية.

 4-إستراتيجية التصنيع من اجل التصدير والتنمية الشاملة:

      ان هذه الإستراتيجية لايمكن الاعتماد عليها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة ولايمكن ان تصل بالاقتصاد الوطني الى مرحلة الانطلاق. ان هذه الإستراتيجية فضلا عن عدم تمكنها من تطوير الهياكل الإنتاجية للدول التي اتبعتها أدت الى زيادة التبعية للخارج من حيث الإنتاج والاستهلاك المرتبط بالتسويق الخارجي مما أعاق من إمكانية تحقيق التنمية الشاملة. كما انها لم تساهم في إنشاء صناعة متوازنة ومتكاملة ولم تساهم في توسيع السوق المحلية بل ساهمت في تعميق علاقات التبعية التكنولوجية والمالية والتسويقية للخارج عن طريق التعامل مع الشركات دولية النشاط.

 5-إستراتيجية التصنيع من اجل التصدير وتوزيع الدخول:

      لقد لوحظ من خلال تطبيق إستراتيجية التصنيع من اجل التصدير في الكثير من دول أمريكا اللاتينية انها لم تعطي اهتماماً لمسألة العدالة الاجتماعية ولم تحاول إعادة توزيع الدخول بالشكل الذي يحد من الفوارق الاجتماعية، بل العكس فأن هذه المسألة قد طرحت جانباً فازدادت دخول طبقة معينة على حساب طبقة أخرى وبالتالي ارتفاع معدلات الفقر، ومما ساعد على خلق الظروف الملائمة للتفاوت الكبير في توزيع الدخول هو ان هذه الإستراتيجية قد أهملت كافة القطاعات الاقتصادية غير التصديرية وبالتالي انخفاض القوة الشرائية للعاملين فيها.           

ليست هناك تعليقات: