السبت، 29 سبتمبر 2018

تلوث المياه في العراق


            إن للمياه أهمية كبيرة في الحياة البشرية إذ لا يمكن لأي مجتمع من المجتمعات البشرية العيش بدونها فالتجمعات البشرية الأولى كانت قد أقيمت على ضفاف الأنهار الدائمة بل أن جميع الحضارات العظيمة التي قامت على مر التاريخ كانت المياه ووجود الأنهار سببا رئيسا في قيامها كحضارة وادي الرافدين على ضفاف نهري دجلة والفرات وحضارة وادي النيل على ضفاف نهر النيل. وقد كان البابليون يعتقدون ان الفرات إلهاً وحينما يغضب على رعيته يعاقبهم بالطوفان وكانت هذه الرعية تنذر إليه وتتضرع له لئلا يغضب عليها. كما كان الفراعنة يقدمون القرابين إلى نهر النيل بشكل شبه منتظم.  ان أهمية المياه تأتي كونها تستخدم للأغراض الصناعية والزراعية فضلا عن الاستخدام المنزلي. ولقد ذكر الماء في القرآن الكريم في ثلاثة وستين موضعا.
       لقد تحولت المياه في ظل تزايد معدلات النمو السكاني ومعدلات الاستهلاك والندرة الملحوظة في مصادرها إلى محور من أهم محاور الصراع الدولي في الربع الأخير من القرن الماضي، وقد تنبأ العديد من الباحثين والمختصين بحصول توترات قد تصل الى درجة نشوب حروب بين الدول المتشاطئة بسبب المياه خلال القرن الحالي داعمين آرائهم بصدور العديد من الدراسات والتقارير الدولية التي تحذر من شحة المياه وندرتها كتقارير البنك الدولي والمجلس العالمي للمياه فضلا عن المؤسسات والمراكز البحثية المتخصصة، بل يرى البعض ان قيمة المياه العذبة في المستقبل ستفوق قيمة النفط كون الأخير قد تكون له بدائل في المستقبل حتى وان كانت مكلفة بينما المياه لاتوجد اية بدائل مستقبلية لها. بالإضافة الى مشكلة شحة المياه تبرز لدينا مشكلة ربما لاتقل أهمية عنها تتمثل بمشكلة التلوث Pollution أي تلوث كمية المياه ونوعيتها، فماذا نعني بتلوث المياه؟
        ان التلوث بشكل عام في اللغة يعني خلط الشيء بما هو خارج عنه فيقال: لوث الشيء بالشيء أي بمعنى آخر خلطه به، كما هو الحال مع تلوث الطين بالتبن ولوث ثيابه بالطين أي لطخها، ولوث الماء أي كدره. واصطلاحا فان التلوث هو عبارة عن الحالة القائمة في البيئة الناتجة عن التغيرات المستحدثة فيها ،والتي تسبب للإنسان الإزعاج أو الأضرار أو الأمراض أو الوفاة بطريقة مباشرة أو عن طريق الإخلال بالأنظمة البيئية. فالتلوث إذن هو كل ما يؤثر في جميع العناصر البيئية بما فيها من نبات وحيوان وإنسان، وكذلك كل ما يؤثر في تركيب العناصر الطبيعية غير الحية مثل الهواء والماء. ولم تسلم المجاري المائية من التلوث فمياه الأنهار والبحيرات في كثير من الأماكن أصبحت في حالة يرثى لها نتيجة ما يلقي فيها من مخلفات الصناعة من فضلات الإنسان كما ان التلوث قد أصاب البحيرات المغلقة والبحار المفتوحة على حدا سواء.
          بصورة عامة يقسم التلوث المائي إلى أربعة أنواع الأول هو التلوث البيولوجي والذي ينجم عن احتواء المياه على الكائنات الحية كالبكتريا والفيروسات والطفيليات والطحالب، وتنتج هذه الملوثات في الغالب نتيجة اختلاط فضلات الإنسان والحيوان بالماء، والثاني هو التلوث الكيماوي وينتج هذا التلوث غالباً عن ازدياد الأنشطة الصناعية أو الزراعية بالقرب من المسطحات المائية مما يؤدي إلى تسرب المواد الكيميائية المختلفة إليها كالأملاح المعدنية والأحماض والأسمدة والمبيدات، والنوع الثالث هو التلوث الفيزياوي وينتج عن تغير المواصفات القياسية للماء عن طريق تغير درجة حرارته أو نسبة الملوحة فيه أو زيادة نسبة المواد العالقة به سواء كانت من أصل عضوي أو غير عضوي وتنتج زيادة نسبة ملوحة الماء على الأرجح نتيجة ازدياد كميات التبخر لمياه البحيرات أو الأنهار في المناطق الجافة دون تجديد لها، والنوع الأخير هو التلوث الإشعاعي ومصدر هذا التلوث يكون على الأغلب عن طريق التسرب الإشعاعي من المفاعلات النووية أو عن طريق التخلص من هذه النفايات في البحار والمحيطات والأنهار او من خلال استخدام أسلحة تحتوي على مواد مشعة، وفي الغالب لا يحدث هذا التلوث أي تغيير في صفات الماء الطبيعية مما يجعله أكثر الأنواع خطورة،حيث تمتصه الكائنات الموجودة في هذه المياه على الأغلب ثم تنتقل إلى الإنسان أثناء تناول هذه الأحياء فتحدث له العديد من التأثيرات الخطيرة منها الخلل والتحولات التي تحدث في الجينات الوراثية.
      ان المياه في العراق تعاني من الأنواع السابقة من التلوث وبدرجات مختلفة نتيجة أسباب متعددة لعل أبرزها تعرضه للحروب المستمرة ومانتج عنها من مخلفات إشعاعية ناجمة عن استخدام لبعض القذائف الذكية التي تحتوي على اليورانيوم المنضب وجدت طريقها الى بعض المناطق المائية بشكل او بآخر كذلك فان المخلفات الصناعية التي ترمى في الأنهار تلعب دورا مهما في تفاقم مشكلة التلوث في المياه كما ان نفايات المستشفيات والمختبرات العلمية التي تجد طريقها الى مياه الأنهار بدلا من تلفها بطرق كيمياوية تساهم في زيادة مشكلة التلوث، وكذلك مجاري المبازل التي تكون مشبعة بالأسمدة والمبيدات والمواد الكيماوية الضارة ناهيك عن مياه المجاري التي تجد طريقها في الأنهار وبالتالي تكون لدينا المياه ملوثة بكافة أنواع مصادر التلوث، وان مايفاقم هذه المشكلة ان كميات المياه التي تأتي عن طريق نهري دجلة والفرات تكون منخفضة لاتتناسب مع حصة العراق المفترضة وبالتالي فأن مستوى المياه في هذه الأنهار تكون منخفضة لذا تظهر فيها مظاهر التلوث بشكل سريع وواضح قد لاتحتاج إلى أجهزة كشف لبيانها، وإذا ماوضعنا في نصب أعيننا بان المياه الداخلة للعراق سواء من تركيا او سوريا هي بالأساس تحتوي على نسب عالية من المواد الضارة فإننا نرى بوضوح الحجم الحقيقي لهذه المشكلة التي نحتاج فيها لتكثيف الجهود المختلفة لغرض الحد منها على اقل تقدير.     


ليست هناك تعليقات: